الإذن بالقتال:
في هذه الظروف الخطيرة التي كانت تهدد كيان المسلمين
بالمدينة، والتي كانت تنبىء عن قريش أنهم لا يفيقون عن غيهم ولا يمتنعون عن تمردهم
بحال، أنزل اللَّه تعالى الإذن بالقتال للمسلمين، ولم يفرضه عليهم قال تعال:
{أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى
نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ} [الحج: 39].
وأنزل هذه الآية ضمن آيات أرشدتهم إلى أن هذا الإذن إنما هو
لإزاحة الباطل، وإقامة شعائر اللَّه، قال تعالى: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ
فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ
وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ} [الحج: 41].
والصحيح الذي لا مندوحة عنه أن هذا الإذن إنما نزل بالمدينة
بعد الهجرة، لا بمكة، ولكن لا يمكن لنا القطع بتحديد ميعاد النزول.
نزل الإذن بالقتال ولكن كان من الحكمة إزاء هذه الظروف -
التي مبعثها الوحيد هو قوة قريش وتمردها - أن يبسط المسلمون سيطرتهم على طريق قريش
التجارية المؤدية من مكة إلى الشام، واختار رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لبسط
هذه السيطرة خطتين
الأولى: عقد معاهدات الحلف أو عدم الاعتداء مع القبائل التي
كانت مجاورة لهذا الطريق، أو كانت تقطن ما بين هذا الطريق وما بين المدينة، وقد
أسلفنا معاهدته صلى الله عليه وسلم مع اليهود وكذلك كان عقد معاهدة الحلف أو عدم
الاعتداء مع جهينة قبل الأخذ في النشاط العسكري، وكانت مساكنهم على ثلاثة مراحل من
المدينة، وقد عقد معاهدات أثناء دورياته العسكرية وسيأتي ذكرها.
الثانية: إرسال البعوث واحدة تلو الأخرى إلى هذا الطريق