إعلان عزيمة الصد عن المسجد
الحرام:
ثم إن سعد بن معاذ انطلق إلى مكة معتمراً فنزل على أمية بن
خلف بمكة، فقال لأمية انظر لي ساعة خلوة لعلي أن أطوف بالبيت، فخرج به قريباً من
لقف النهار، فلقيهما أبو جهل فقال: يا أبا صفوان، من هذا معك؟ فقال: هذا سعد، فقال
له أبو جهل ألا أراك تطوف بمكة آمناً وقد آويتم الصباة، وزعمتم أنك تنصرونهم،
وتعينونهم، أما واللَّه لولا أنك مع أبي صفوان ما رجعت إلى أهلك سالماً، فقال له
سعد ورفع صوته عليه أما واللَّه لئن منعتني هذا لأمنعك ما هو أشد عليك منه، طريقك
على أهل المدينة.
قريش تهدد المهاجرين:
ثم إن قريشاً أرسلت إلى المسلمين تقول لهم لا يغرنكم أنكم
أفلتمونا إلى يثرب، سنأتيكم فنستأصلكم ونبيد خضراءكم في عقر داركم.
ولم يكن هذا كله وعيداً مجرداً فقد تأكد عند رسول اللَّه
صلى الله عليه وسلم من مكائد قريش وإرادتها على الشر ما كان لأجله لا يبيت إلا
ساهراً، أو في حرس من الصحابة فقد روى مسلم في صحيحه عن عائشة رضي اللَّه تعالى
عنها قالت: سهر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم مقدمة المدينة ليلة فقال: ليت رجلاً
صالحاًمن أصحابي يحرسني الليلة، قالت: فبينما نحن كذلك سمعنا خشخشة سلاح، فقال: من
هذا؟ قال: سعد بن أبي وقاص، فقال له رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ما جاء بك؟
فقال: وقع في نفسي خوف على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ، فجئت أحرسه، فدعا له
رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ، ثم نام.
ولم تكن هذه الحراسة مختصة ببعض الليالي بل كان ذلك أمراً
مستمراً، فقد روي عن عائشة قالت: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يحرس ليلاً
حتى نزل {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنْ النَّاسِ} [المائدة: 67] فأخرج رسول
اللَّه صلى الله عليه وسلم من القبة، فقال: يا أيها الناس انصرفوا عني فقد عصمني
اللَّه عز وجل.
ولم يكن الخطر مقتصراً على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم
بل على المسلمين كافة، فقد روى أبي بن كعب، قال: لما قدم رسول اللَّه صلى الله عليه
وسلم وأصحابه المدينة وآوتهم الأنصار رمتهم العرب عن قوس واحدة، وكانوا لا يبيتون
إلا بالسلاح ولا يصبحون إلا فيه